responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 343
[سورة الرحمن (55) : آية 9]
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ هُوَ بِمَعْنَى لَا تَطْغَوْا فِي الْوَزْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ كَالْبَيَانِ لِقَوْلِهِ: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ إِقَامَتِهِ بِالْعَدْلِ، وَقَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَقِيمُوا بِمَعْنَى قُومُوا بِهِ كَمَا فِي قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة: 43] أَيْ قُومُوا بِهَا دَوَامًا، لِأَنَّ الْفِعْلَ تَارَةً يُعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَتَارَةً بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ، تَقُولُ: أَذْهَبَهُ وَذَهَبَ بِهِ ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ أَقِيمُوا بِمَعْنَى قُومُوا، يُقَالُ: فِي الْعُودِ أَقَمْتُهُ وَقَوَّمْتُهُ، وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَ قَسَطَ بِمَعْنَى جَارَ لَا بِمَعْنَى عَدَلَ؟ نَقُولُ: الْقِسْطُ اسْمٌ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي لَا تَكُونُ مَصَادِرَ إِذَا أَتَى بِهَا آتٍ أَوْ وَجَدَهَا مُوجِدٌ، يُقَالُ فِيهَا: أَفْعَلَ بِمَعْنَى أَثْبَتَ، كَمَا قَالَ: فُلَانٌ أَطْرَفَ وَأَتْحَفَ وَأَعْرَفَ بِمَعْنَى جَاءَ بِطُرْفَةٍ وَتُحْفَةٍ وَعُرْفٍ، وَتَقُولُ: أَقْبَضَ السَّيْفَ بِمَعْنَى أَثْبَتَ لَهُ قَبْضَةً، وَأَعْلَمَ الثَّوْبَ بِمَعْنَى جَعَلَ لَهُ عَلَمًا، وَأَعْلَمَ بِمَعْنَى أَثْبَتَ الْعَلَامَةَ، وَكَذَا أَلْجَمَ الْفَرَسَ وَأَسْرَجَ، فَإِذَا أَمَرَ بِالْقِسْطِ أَوْ أَثْبَتَهُ فَقَدْ أَقْسَطَ، وَهُوَ بِمَعْنَى عَدَلَ، وَأَمَّا قَسَطَ فَهُوَ فَعَلَ مِنَ اسْمٍ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَالِاسْمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَصْدَرًا فِي الْأَصْلِ، وَيُورَدُ عَلَيْهِ فِعْلٌ فَرُبَّمَا يُغَيِّرُهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِهِ، مِثَالُهُ الْكَتِفُ إِذَا قُلْتَ كَتَّفْتُهُ كِتَافًا فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: أَخْرَجْتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ وَغَيَّرْتُهُ، فَإِنَّ مَعْنَى كَتَّفْتُهُ شَدَدْتُ كَتِفَيْهِ بَعْضَهُمَا إِلَى بَعْضٍ فَهُوَ مَكْتُوفٌ، فَالْكَتِفُ كَالْقِسْطِ صَارَا مَصْدَرَيْنِ عَنِ اسْمٍ وَصَارَ الْفِعْلُ مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقَالَ: الْقَاسِطُ وَالْمُقْسِطُ لَيْسَ أَصْلُهُمَا وَاحِدًا وَكَيْفَ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَقْسَطَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقِسْطَ، كَمَا يُقَالُ: أَشْكَى بِمَعْنَى أَزَالَ الشَّكْوَى أَوْ أَعْجَمَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْعُجْمَةَ، وَهَذَا الْبَحْثُ فِيهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: فُلَانٌ أَقْسَطُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 282] وَالْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ تَقُولُ: أَظْلَمُ وَأَعْدَلُ مِنْ ظَالِمٍ وَعَادِلٍ، فَكَذَلِكَ أَقْسَطُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَاسِطٍ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا الْأَصْلُ الْقِسْطُ، وَقَسَطَ فِعْلٌ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ، وَالْإِقْسَاطُ إِزَالَةُ ذَلِكَ، وَرَدَّ الْقِسْطَ إِلَى أَصْلِهِ، فَصَارَ أَقْسَطُ مُوَافِقًا لِلْأَصْلِ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ يُؤْخَذُ مِمَّا هُوَ أَصْلٌ لَا مِنَ الَّذِي فَرْعٌ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: أَظْلَمُ مِنْ ظَالِمٍ لَا مِنْ مُتَظَلِّمٍ وَأَعْلَمُ مِنْ عَالِمٍ لَا مِنْ مُعَلِّمٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَطَ وَإِنْ كَانَ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَاسِطِ، لَكِنَّهُ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقْسِطِ، لِأَنَّ الْمُقْسِطَ أَقْرَبُ مِنَ الْأَصْلِ الْمُشْتَقِّ وَهُوَ الْقِسْطُ، وَلَا كَذَلِكَ الظَّالِمُ وَالْمُظْلِمُ، فَإِنَّ الْأَظْلَمَ صَارَ مُشْتَقًّا مِنَ الظَّالِمِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْأَصْلِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ والمعلم والخبر والمخبر.
ثُمَّ قَالَ: وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أَيْ لَا تُنْقِصُوا الْمَوْزُونَ. وَالْمِيزَانُ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ بِمَعْنًى آخَرَ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الآلة وَوَضَعَ الْمِيزانَ [الرحمن: 7] ، والثاني بمعنى المصدر أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ [الرحمن: 8] أَيِ الْوَزْنِ، وَالثَّالِثُ لِلْمَفْعُولِ: وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أَيِ الْمَوْزُونَ، وَذَكَرَ الْكُلَّ بِلَفْظِ الْمِيزَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمِيزَانَ أَشْمَلُ لِلْفَائِدَةِ وَهُوَ كَالْقُرْآنِ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
[الْقِيَامَةِ: 18] وَبِمَعْنَى الْمَقْرُوءِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
[الْقِيَامَةِ: 17] وَبِمَعْنَى الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ الْمَقْرُوءُ فِي/ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [الرَّعْدِ: 31] فكأنه آلة ومجل له، وفي قوله تعالى: آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الْحِجْرِ: 87] وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ ذَكَرَ الْقُرْآنَ لِهَذَا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست